تفاصيــل الخبـر

الاسير امجد عبيدي

الأسير أمجد عبيدي يودّعه نور وجه أمه، ويتركه لعتمة الزنازين

في قاموس الحرية، تفتتح الأمهات الصفحات وتختتمها، فهي أكثر المتلهفين، أول المستقبلين، وأعظم الفرِحين، وفي قاموس الأسر، تظل الأمهات ملء الصفحات، في المبتدأ والمنتهى، فهي أكثر المشتاقين، أول المنتظرين، وأعظم المكلومين، ولكل أسير أمّ ليس لها سوى أمنية واحدة: أن تمسك وجهه بكفيها قبل أن تموت، تنير بدعواتها عتمة سجنه، فإن ماتت، صارت مهمة تبليغه بموتها أصعب من أن تتم، فيترك في جهله لأقدار الصدف.

"أمجد" و"شمسة"

الأسير المؤبد أمجد أحمد عيسى عبيدي، من بلدة زبوبا غرب جنين، اعتقل عام ٢٠٠٣، وحكم عليه ب٢٣ مؤبداً إضافة إلى ٥٠ عاماً، ومنذ ذلك الوقت ووالدته الحاجة شمسة تنتظر تحرره، وبعد ٢٢ عاماً من الانتظار، توّفيت على سرير الانتظار، بعد أن خانها أمل اللقاء، ولا زال ابنها البكر لا يعلم برحيلها، رغم مرور ٥ أشهر، بسبب سياسة الانقطاع عن العالم ومنع التواصل بين الأسرى وذويهم، اليوم تغيب شمسة التي كانت تنير سجن أمجد، ويغيب أهله في غياهب الحيرة والصدمة، كيف يبلغونه بذلك بعد هذه المدة؟

سياسات العزل الجماعي

يواجه الأسرى خاصة ذوو الأحكام المؤبدة، تنكيلاً وتجويعاً منذ حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر، ومنذ ذلك الحين، يعيشون عزلةً لم يعرفوها لسنوات، ووصفها من تحرروا بأنها "أفظع سنوات اعتقالهم"، وضمن سياسات العزل الجماعي للأسرى عن العالم، مارست قوات الاحتلال إجراءات كحرمان الأسير من حقه في معرفة أخبار عائلته، وإيصال أخبار مشوهة حول ذويهم، فأحدهم تم تبليغه بموت والده وهو على قيد الحياة، والأسير أمجد عبيدي لم يصله خبر وفاة والدته بعد، كما انقطعت أخباره عن عائلته، التي لم تسمع عنه شيئاً منذ آخر صفقة تبادل، حيث كانوا يأملون الإفراج عنه، لكنه لم يتحرر، وعلموا من بعض المحررين أنه لم يعلم بوفاة والدته، وسط صدمتهم وصدمة المحرر الذي أوصل الخبر.

 

 

بداية كل شيء

في السابع من نوفمبر، عام ٢٠٠٣، اعتقل أمجد عبيدي، ومنذ لحظات اعتقاله الأولى بدأت معاناة العائلة كلها؛ فقد اعتقل الاحتلال زوجته، وهدم منزله، واتهم بالمشاركة في علميات عسكرية أدت لقتل عدد من جنود الاحتلال، ونال حكماً قاسياً حرم أطفاله الثلاثة من وجوده، حين كان أكبرهم سناً أربع سنوات، وأصغرهم أقل من سنة.

زيارات متكررة

بدأت سلسلة زيارات أمجد عبيدي لسجون الاحتلال منذ زمن، ولم يكن اعتقاله الطويل سوى آخر حلقات تلك السلسلة؛ ففي عام 1985 اعتقل لستة أشهر، ثم اعتقل مرة أخرى عام 1986 لستة أشهر أخرى، ثم عام 1988 اعتقل مجدداً إدارياً لستة أشهر، وفي عام 1989 تكرر ذات الاعتقال وذات المدة، ومع مطلع التسعينات لم تتوقف الزيارات للسجون، حيث اعتقا عام 1991 لمدة سنتين ونصف، وعام 1995 اعتقل لثمانية أشهر، وعام 1997 اعتقل لمدة سنة ونصف، ثم كان اعتقاله الأخير عام 2003 الذي لا زال يقضي سنيّه في سجون الاحتلال.

رامون وحياة العزلة

يتواجد أمجد عبيدي اليوم في سجن ريمون، ووسط الانقطاع عن أخباره، يعلم أهله أنه فقد من وزنه الكثير في ظل حرب التجويع، لكنهم واثقون من أن معنوياته عالية كما اعتاد دائماً، أما في الأعوام ال٢٢ التي انقضت وهو داخل السجن، فقد حدثت أمور كثيرة، كبر أطفاله وصاروا رجالاً، وتمت خطبة ابنه مؤخراً دون أن يشاركه أغلى فرحة.

وخلال أسره، توفيت جدته، ثم توفي والده، وتوفي عمه، تزوج إخوته وتزوجت أخواته، وظلّ هو الصورة المرفوعة للغائب في كل المناسبات.

لكن عادة الأبطال أن يُحيلوا سجنهم إلى مركز إنجاز، فقد حصل أمجد على درجة بكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى خلال سنوات اعتقاله، ودرجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من الكلية الجامعية للدراسات الإسلامية، لقد كان صاحب الشخصية القوية، يحب العلم كثيراً، ويعشق الكتب، ويستعين بها على قضاء الوقت، ويرافقها في ظل حرمانه من زيارات الأهالي، وفي عزلته، أصبح مناراً للثقافة، فأصدر عدة مؤلفات، منها: "غريب في وطنه" ويقع في أربعة أجزاء، "اكتشاف الوطن"، "التحول الفلسطيني"، "فلسطين والأسرى"، "موقع الشورى في الإسلام"، و"على شاطئ غزة"، وغيرها.

ألم وأمل

يعاني الأسير أمجد عبيدي في سجنه من مشاكل وأوجاعٍ في ظهره، وزاد وضعه سوءاً نتيجة الظروف الاعتقالية القاسية التي تلت السابع من أكتوبر، ومنذ ذلك الوقت لا يعلم ذووه من أخباره شيئاً سوى عن طريق أسرى محررين، يعطونهم ما لا يشفي غليلهم، بعد كانت عائلته تعيش الأمل خلال صفقات طوفان الأحرار، كانوا يأملون أن تطوى عذابات غياب 22 عاماً عن حياتهم، وفوجئوا أن اسمه لم يدرج ضمن أسماء أسرى المؤبدات المفرج عنهم.

ووسط المشاعر المختلطة تقول شقيقته: "شعرنا بخيبة أمل كبيرة لا يمكن وصفها بالكلمات، أكثر ما يؤلمنا هو أنه لا يعلم بوفاة والدته، ونخاف كثيراً لحظة معرفته لهذا الخبر".

أخبار مشابهة