تفاصيــل الخبـر

الاسير يحيى الحج حمد

يحيى الحاج حمد… المؤبد الذي يكتب الشعر من وراء الجدران

في بلادٍ يُقاس فيها الفقدُ بعدد المفاتيح التي لم تُفتح أبوابها، يولد الأسير كأنّه ابنُ زمنٍ آخر، لا يُشبه سواه. هناك، في الزنازين التي لا تعرف الفصول، يتبدّل الليل والنهار دون أن يتغيّر المشهد: حائطٌ رطب، نافذةٌ ضيّقة، واسمٌ يُعاد نطقه في النداء كل صباح، كي لا يُنسى.

في السجن، لا يُقاس العمر بالسنوات، بل بعدد الرسائل التي وصلت متأخرة، وعدد الأصوات التي انطفأت خلف الهاتف قبل أن يكتمل الوداع.

ومع ذلك، يبقى في كل زنزانة رجلٌ يخطّ على الجدار شيئًا من الحياة، كما لو أنه يكتب التاريخ بالحبر والصبر.

واحدٌ من هؤلاء هو يحيى محمد نايف الحاج حمد (34 عاماً) من مدينة نابلس، الذي دخل السجن قبل أحد عشر عامًا، لكنه لم يسمح له أن يسكن قلبه.

في الثالث من أكتوبر عام 2015، حين أُغلق الباب الثقيل خلفه، بدأ فصلاً جديدًا من الحكاية: حكاية الأسير الذي حوّل المؤبد إلى قصيدة.

حياة معلّقة بين الرسالة والانتظار

منذ لحظة اعتقاله، بدا وكأن الزمن تجمّد عند أمه. كلّ صباحٍ كانت تعدّ الأيام كما تعدّ حبّات الدواء، وكل مساءٍ تسأل عن خبرٍ لا يأتي.

حين تمكّن المحامي من زيارته بعد انقطاعٍ دام عامًا كاملاً، لم يسأله يحيى عن حكمه ولا عن سجنه، بل عن قلبه الأول:

"هل أمي ما زالت على قيد الحياة؟"

سؤالٌ بسيط، لكنه يحمل كل المعنى: أن السجن الحقيقي ليس الجدار، بل الخوف على من في الخارج.

السجن كجامعةٍ ومحراب

في سجن ريمون، لم يتوقف يحيى عن التعلم، وكأنه يفاوض الزمن على معنى جديد للحياة.

حصل على بكالوريوس في التربية الإسلامية والعلوم المالية والمصرفية، ثم ماجستير في الاقتصاد الإسلامي، وكان على وشك إنهاء ماجستير آخر في الشؤون الإسرائيلية، قبل أن تنقطع سبل التعليم بفعل الحرب.

كتب ديوانًا شعريًا بعنوان "قبلة الأبطال"، وعلّم الأسرى الصغار كيف يجعلون من الحروف نوافذ للحرية.

تقول عائلته:

"يحيى يؤمن أن المعرفة مقاومة، وأن السجن لا يُطفئ الفكرة، بل يجعلها أكثر صفاءً."

لكن الجسد لم ينجُ من القسوة.

فقد كثيرًا من وزنه نتيجة سياسة التجويع، وأصيب بمرضٍ جلديٍ تعافى منه بعد أشهر، ولم يكن يملك سوى لباسٍ واحدٍ كبقية الأسرى.

بيتٌ هُدم... وأملٌ لا يُهدم

بعد اتهامه بالمشاركة في عملية "إيتمار"، أقدم الاحتلال على هدم منزل العائلة. في تلك الليلة، بقيت الأم واقفة أمام الركام حتى الفجر، لم تبكِ، قالت فقط:

"ما دام ابني في السجن واقفًا، لا يهمّ إن تهدّم البيت. نحن لا نُقاس بما نملك، بل بما نصبر عليه."

تلك الجملة صارت لاحقًا شعار العائلة، تتردد على ألسنة الجيران كلما مرّوا بجانب الأرض التي كانت بيتًا.

حين يكتب الأسير وجه الشمس

اليوم، بعد أحد عشر عامًا من المؤبد، ما زال يحيى الحاج حمد يرى في كل فجرٍ غائب وعدًا جديدًا بالعودة.

يقول في رسالةٍ سابقةٍ لأمه:

"أمي… لا تقلقي من الليل، فالليل لا يدوم، وأنا أكتب في كل ظلمةٍ اسم النهار."

بين السجن والقصيدة، بين الأم والبيت المهدوم، يظل يحيى شاهدًا على معنى الحرية الفلسطينية:

حريةٌ لا تُقاس بالمسافة، بل بالقدرة على الحلم رغم القيود.

أخبار مشابهة