تفاصيــل الخبـر

الاسير معاذ حامد ووالدته

الحرية المؤجلة: أمّ معاذ... حين يصبح الصبر موروثًا عائليًا

الأسير الفلسطيني معاذ صالح جمعة حامد (37 عامًا) من بلدة سلواد قضاء رام الله، يقضي حكمين بالمؤبد في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد سنواتٍ طويلة من الاعتقال المتكرر، فيما تواصل والدته انتظار حريته منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا.

قصته ليست استثناءً؛ فبين جدران الزنازين يقبع أكثر من 100 أسيرٍ محكومٍ بالمؤبد، يواجهون المرض والعزلة، فيما تعيش أمهاتهم على أملٍ معلّق بين الصبر والدعاء.

 

في فلسطين، كل أمّ تحمل في قلبها سجنًا صغيرًا. تُحصي الأيام كمن يُحصي أنفاسها، تنام على الأمل وتصحو على غيابٍ لا ينتهي. الحرية في هذه الأرض صلاة يومية تُرفع في بيوتٍ أنهكتها الانتظارات. تلك الصلاة تهمس بها أمّ معاذ حامد كل فجر، وهي ترفع كفّيها إلى السماء، تدعو لابنها الذي غيّبته السجون منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، ولغزة التي لم تغادر لسانها رغم ثقل وجعها الشخصي.

 

تقول الأم بصوتٍ يختلط بين الإيمان والخذلان:

“منذ عام 2012 بدأ مسلسل الاعتقال الخاص بمعاذ. يعتقله الاحتلال، ينال حريته لشهرٍ أو أقل، ثم يُعاد اعتقاله من جديد. اعتُقل ثلاث مرات لدى الاحتلال، ثم سبع سنواتٍ كاملة لدى السلطة الفلسطينية، وبعد الإفراج عنه لاحقته طائرات الاحتلال حتى أعيد اعتقاله مجددًا. صدر بحقه حكمٌ بالمؤبد المكرر مرتين وغرامة مالية تفوق المليون شيكل”.

اتهم الاحتلال معاذ بتنفيذ عملية إطلاق نارٍ عام 2015 في مستوطنة شفوت راحيل جنوب نابلس، ردًا على جريمة حرق عائلة دوابشة في قرية دوما، واستشهاد الطفل عروة حماد من سلواد.

لكن العقاب لم يتوقف عنده. تقول الأم:

 

“خلال اعتقاله لدى أجهزة السلطة، هدم الاحتلال منزلنا، ومنذ ذلك الوقت ونحن نتنقل بين بيوتٍ للإيجار. حاولنا شراء منزل جديد رغم التكاليف الباهظة، ولا زلنا نسدد ثمنه حتى اليوم على أمل أن نجد استقرارًا ولو بسيطًا”.

في الزيارة الأخيرة، لاحظ المحامي تغيّر ملامحه؛ فقد فقد أكثر من 34 كيلوغرامًا من وزنه بسبب المرض والإهمال الطبي في سجن نفحة. ومع ذلك، دخل الزيارة مبتسمًا.

“حين علم بانتهاء الصفقة دون الإفراج عنه، شعر بالحزن، لكنه قال للمحامي: المهم ألا تحزن أمي، الله اختار لنا الخير”، تروي والدته وهي تحاول أن تحبس دمعتها.

تضيف:

“أتمنى لو يضعف أو يبكي، لكنه لا يفعل. يخفي وجعه كي لا يقلقني، وأنا القلقة عليه. معاذ شخصية قوية يوزّع المعنويات على زملائه، لكنه يدفع الثمن من صحته ونفسيته. لم يشتكِ لي مرة واحدة، وأنا أتمنى لو يفعل”.

كان معاذ ينتظر الحرية ضمن صفقة طوفان الأحرار، وبلّغ أسرى محررون عائلته بأنه كان يتهيأ للخروج، لكن اسمه سُحب من القائمة النهائية.

تقول والدته بأسى:

“كانت أصعب فترة في حياتنا. حين داهم كابتن المنطقة سلواد بعد الصفقة قال للشبان: تظنون أنكم انتصرتم؟ لقد أخرجنا فقط من أردنا إخراجه، وها هو معاذ ما زال في السجن.”

 

رسالة من الأسر

في رسالةٍ أرسلها الأسير معاذ إلى ابنته بيسان (13 عامًا)، كتب يقول:

“أحبك يا بيسان، وأشتاق لرؤيتك. أرافقك في الدعاء كل فجر، حين ترفعين يديك في الصلاة فأنا معك بقلبٍ حاضرٍ وروحٍ مؤمنة. ادرسي وكوني قوية، فحرّيتنا قريبة بإذن الله.”

ابنته، التي تضاهي سنوات عمرها سنوات اعتقاله، تكبر اليوم على حكاياته لا على حضوره.

أما الأم، فتعيش مع تلك الرسالة كما تعيش مع صوت تنفسها — تحفظها، تبكيها، وتقرأها كلما اشتدّ الليل.

 

ليل الأمهات في فلسطين لا ينام. تُضيئه الدعوات والرسائل المكتوبة بخطٍّ مرتجف، واليقين بأن الغياب لا يمكن أن ينتصر على الحلم. قصة أمّ معاذ ليست استثناءً، بل صورة عن آلاف الأمهات اللواتي يقفن على حافة الصبر كل يوم، يكتبن بدموعهن وصايا الأمل، ويؤمنّ أن الله لا يخذل الصابرين.

“سنلتقي قريبًا يا معاذ، فالله أرحم من السجان، والحرية لا بد أن تأتي — ولو طال السفر.”

أخبار مشابهة