تفاصيــل الخبـر

بسام شحرور: حكاية صمود في زنازين الصمت

في زنازين الصمت، حيث تتلاشى ألوان الحياة وتتكسر أصداء الحرية، يقبع رجال ونساء وأطفال، أجسادهم محتلة وأرواحهم تأبى الانكسار. هم الأسرى الفلسطينيون، الذين تحولت جدران السجون إلى شواهد صامتة على صمودهم، وأصبحت قضبانها قصصًا تُروى عن إرادة لا تلين.

في عيونهم، تتجلى حكايات أمة، وفي صمتهم، يتردد صدى نداء الحرية. إنهم ليسوا مجرد أرقام في سجلات الاحتلال، بل هم نبض قضية، ورمز لمعاناة إنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان، تتحدى القهر بالصبر، والظلم بالأمل، وتنتظر فجرًا جديدًا يشرق على أرضهم المحتلة، ليعيد إليهم كرامتهم وحريتهم المسلوبة.

 

من العام إلى الخاص: بسام شحرور نموذجًا

تُعد قضية الأسرى الفلسطينيين من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحًا وتعقيدًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إنها ليست مجرد قضية حقوقية، بل هي جزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني، حيث يمثل كل أسير قصة صمود وتضحية.

يتعرض هؤلاء الأسرى، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن، لانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، بدءًا من الاعتقال التعسفي، مرورًا بالتعذيب وسوء المعاملة، وصولًا إلى الإهمال الطبي المتعمد والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية.

 هذه الانتهاكات لا تستهدف الأسرى فحسب، بل تمتد لتشمل عائلاتهم والمجتمع الفلسطيني بأسره، في محاولة لكسر الإرادة وتدمير النسيج الاجتماعي.

من بين آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يرزحون تحت وطأة الاحتلال، تبرز حكاية الأسير بسام شريف فتحي شحرور، ابن مدينة طولكرم البالغ من العمر 31 عامًا. بسام، الذي اعتقل في 19 يوليو 2024، يواجه اليوم واقعًا مريرًا داخل سجون الاحتلال، حيث يتعرض لضرب ممنهج وموصى به، وتتدهور حالته الصحية بشكل مقلق، في ظل سياسات قمعية تهدف إلى تحطيم إرادة الأسرى وتصفية قضيتهم. قصته هي شهادة حية على المعاناة اليومية التي يعيشها المئات من رفاقه في الأسر، وتجسيد صارخ لانتهاكات الاحتلال التي لا تتوقف.

جسد ينهكه الضرب وروح تأبى الانكسار: سياسة التعذيب الممنهج

منذ لحظة اعتقاله، وبسام شحرور يعيش فصولًا من المعاناة الجسدية والنفسية التي تتجاوز حدود التصور الإنساني. ففي الوقت الذي لا يزال فيه موقوفًا ويُعرض للمحاكمة بشكل مستمر دون حكم نهائي، تتكشف تفاصيل مروعة عن الانتهاكات التي يتعرض لها. تروي محاميته، التي زارته، كيف خرج إليها في حالة يرثى لها، جسده ملطخ بالدماء بعد تعرضه للضرب المبرح. هذه ليست مجرد حوادث فردية، بل هي سياسة ممنهجة؛ فعندما يتعرض الأسرى في قسمه للقمع، يُضربون جميعًا بعصا خشبية، لكن بسام، وبتوصية خاصة، يُضرب بعصا حديدية، مما يترك آثارًا بالغة على جسده. هذا الاستهداف المتعمد لبسام يعكس رغبة الاحتلال في كسر إرادته بشكل خاص، وربما يأتي كعقاب على نشاطه أو مواقفه.

هذه الممارسات الوحشية ليست غريبة على سجون الاحتلال، حيث يصف خبراء وحقوقيون ما يجري بحق الأسرى الفلسطينيين بأنه "قتل بطيء" و"حرب انتقامية"، تتضمن تعذيبًا منهجيًا وحرمانًا من أبسط الحقوق الإنسانية.

 وتؤكد التقارير أن هذه الاعتداءات تصاعدت بشكل كبير بعد حرب السابع من أكتوبر 2023، حيث أصبحت إدارة السجون تمارس سياسات انتقامية ممنهجة بحق الأسرى، مما يؤدي إلى تدهور سريع في حالتهم الصحية. لقد أصبح أسبوع واحد في السجن كافيًا لتغيير شكل الأسير كليًا وتحويله إلى هيكل عظمي متورم، نتيجة للضرب المبرح وسوء التغذية والحرمان من الرعاية الصحية.

هذه الشهادات تتطابق مع تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية التي توثق بشكل مستمر استخدام التعذيب كوسيلة للضغط على الأسرى وانتزاع الاعترافات منهم، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف ومبادئ القانون الدولي.

الأمراض تتسلل إلى جسد منهك: الإهمال الطبي وسياسة التجويع

لم تقتصر معاناة بسام على الضرب المبرح، بل امتدت لتشمل تدهورًا خطيرًا في حالته الصحية، نتيجة لسياسة الإهمال الطبي المتعمد التي تتبعها إدارة السجون. ففي سجن مجدو، حيث كان يقبع سابقًا، أصيب بمرض "السكابيوس" (الجرب)، وهو مرض جلدي معدٍ ينتشر بشكل واسع في سجون الاحتلال بسبب الاكتظاظ الشديد، وسوء النظافة، ونقص التهوية، والحرمان من العلاج المناسب. تفاقمت حالته الصحية نتيجة هذا المرض، مما أدى إلى إصابة قدميه بدمامل مؤلمة ومتقيحة. وقد أكد نادي الأسير الفلسطيني أن الجرب بات يهدد حياة الأسرى بشكل حقيقي، وأن العديد من المعتقلين في سجن النقب، على سبيل المثال، أصيبوا به أو عاودتهم الإصابة، مما يشير إلى أزمة صحية عامة داخل السجون.

إضافة إلى ذلك، ونتيجة لسياسة التجويع الممنهج التي تمارسها إدارة السجون، ونوعية الطعام الرديئة التي تفتقر إلى العناصر الغذائية الأساسية، أصيب الأسير شحرور بمرض السكري. هذه السياسة، التي تهدف إلى إضعاف جسد الأسير وتحطيم إرادته، أدت أيضًا إلى إصابته بآلام و"دسكات" في الظهر نتيجة ظروف الاعتقال القاسية، مثل النوم على الأرضيات الصلبة والحرمان من الحركة. وقد أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها بأن الحكومة تحرم الأسرى من الحد الأدنى من الطعام، مما يؤكد حجم هذه الانتهاكات وخطورتها على حياة الأسرى.

 مكتب إعلام الأسرى حذر مرارًا من خطورة الوضع الصحي لبسام، مشيرًا إلى أن الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب الممنهج يحولان الأسرى إلى أصحاب ملفات صحية معقدة في فترة وجيزة، مما يهدد حياتهم بشكل مباشر.

أحلام مسلوبة: من الثانوية العامة إلى التخرج الجامعي.. تدمير المستقبل

حياة بسام شحرور هي قصة أحلام مسلوبة بفعل الاحتلال، تجسد سياسة تدمير المستقبل التي يتبعها الاحتلال بحق الشباب الفلسطيني. ففي اعتقاله الأول، عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، حُرم من فرحة تقديم امتحانات الثانوية العامة، وقضى عامًا ونصفًا في الأسر، مما أثر بشكل كبير على مسيرته التعليمية في تلك المرحلة الحرجة من حياته. واليوم، في اعتقاله الحالي، يُحرم من فرحة استلام شهادته الجامعية في تخصص العلوم الإدارية والاقتصادية، التي نالها بجهده واجتهاده وتفوقه. كانت عائلته تأمل أن يكون حاضرًا ليرى ثمرة تعبه وسنوات دراسته الطويلة، لكن الاحتلال حرمه هذه الفرحة أيضًا، ليضيف جرحًا جديدًا إلى جراحه.

إن حرمان الأسرى من استكمال تعليمهم وحضور لحظات فارقة في حياتهم يعكس سياسة الاحتلال في تدمير مستقبل الشباب الفلسطيني، وتحويلهم إلى مجرد أرقام في سجونه، في محاولة لكسر إرادتهم وتجريدهم من أي أمل في مستقبل أفضل.

هذه السياسة لا تقتصر على بسام وحده، بل تطال المئات من الأسرى الذين يجدون أنفسهم خلف القضبان في أوج عطائهم وشبابهم، ليُحرموا من بناء مستقبلهم والمساهمة في بناء مجتمعهم. تتخوف عائلة بسام على مصيره الصحي والاعتقالي، خاصة في ظل تصاعد الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى بعد حرب الإبادة على قطاع غزة، حيث تشير التقارير إلى تفاقم ظروف الاعتقال وزيادة أعداد المعتقلين الإداريين والتعذيب الممنهج بشكل غير مسبوق.

مسؤولية المجتمع الدولي والتحرك العاجل

إن حكاية بسام شحرور ليست مجرد قصة فردية، بل هي جزء من معاناة جماعية يواجهها آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. إنها دعوة للضمير الإنساني للتحرك، لوقف هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ولإنهاء سياسات القمع والتجويع والتعذيب التي تهدف إلى كسر إرادة شعب يناضل من أجل حريته وكرامته. يجب على المجتمع الدولي أن يدرك أن صمته يعني التواطؤ مع الظلم، ويشجع الاحتلال على التمادي في جرائمه.

يتحمل المجتمع الدولي، والمؤسسات الحقوقية والإنسانية، مسؤولية أخلاقية وقانونية كبرى في الضغط على الاحتلال لوقف هذه الجرائم. يجب التحرك العاجل لضمان حصول الأسرى على حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية المناسبة، ووقف سياسات التعذيب والإهمال الطبي. إن المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش مدعوة لتكثيف جهودها لتوثيق هذه الانتهاكات والضغط على الحكومات للتحرك بجدية.

كما يجب على الدول التي تدعم الاحتلال أن تعيد النظر في سياساتها، وأن تضع حقوق الإنسان والقانون الدولي فوق أي اعتبارات سياسية أخرى.

إن قضية الأسرى الفلسطينيين هي قضية إنسانية بامتياز، تتطلب تضامنًا عالميًا ووقفة جادة من كل من يؤمن بالعدالة والحرية. يجب أن تُسمع أصوات الأسرى، وأن تُكشف معاناتهم للعالم أجمع، حتى يتمكنوا من استعادة حريتهم وكرامتهم المسلوبة. إن بسام شحرور ورفاقه في الأسر يستحقون أن يعيشوا حياة كريمة، بعيدًا عن جدران السجون وظلم الاحتلال.

 

أخبار مشابهة