تفاصيــل الخبـر

من الإعدام البطيء إلى المقصلة العلنية: إسرائيل تشرعن قتل الأسرى الفلسطينيين

يشهد المشهد السياسي والقانوني الإسرائيلي تصعيدًا غير مسبوق في السياسات الموجهة ضد الأسرى الفلسطينيين، خاصة في أعقاب حرب الإبادة على قطاع غزة. تتجلى هذه السياسات في محاولات تشريع قوانين بالغة الخطورة، أبرزها مشروع قانون إعدام الأسرى، الذي صادقت عليه مؤخرًا لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي تمهيدًا للمصادقة عليه بالقراءة الأولى. يهدف هذا التقرير إلى تحليل هذه التطورات التشريعية، مع التركيز على دور الوزير إيتمار بن غفير في دفع هذه القوانين، وتأثير حالة الطوارئ المعلنة على واقع الأسرى الفلسطينيين، ودمج هذه العوامل في سياق الانتهاكات الحقوقية المستمرة. سيسلط التقرير الضوء على أبعاد هذه التشريعات من منظور حقوقي وإنساني، ويكشف عن محاولات إسرائيل لإضفاء شرعية على ممارساتها القمعية التي تتنافى مع القانون الدولي والمواثيق الإنسانية.

أولا: قانون إعدام الأسرى: الخلفية التاريخية لمشروع القانون

لم يكن مشروع قانون إعدام الأسرى وليد اللحظة، بل طرح مرارا خلال السنوات الماضية، مما يعكس توجها متطرفا ومتصاعدا داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية. كان آخرها في عام 2022، عندما أعاد الوزير المتطرف إيتمار بن غفير طرحه مع مجموعة من التعديلات، حتى تمت المصادقة عليه من قبل الكنيست بالقراءة التمهيدية عام 2023. وقد وصل هذا المشروع إلى مرحلة حاسمة في سبتمبر 2025، عندما صادقت عليه لجنة الأمن القومي في الكنيست، تمهيدا لعرضه على الهيئة العامة للمصادقة عليه بالقراءة الأولى. هذه المصادقة تمثل خطوة إضافية لترسيخ جريمة يمارسها الاحتلال بحق الأسرى منذ عقود، وتؤكد سعي الاحتلال عبر القوانين والتشريعات والأوامر العسكرية إلى إضفاء صبغة "شرعية" على جرائمه ضد الأسرى.

بنود القانون المقترح

ينص مشروع القانون على "إيقاع عقوبة الموت بحق كل شخص يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل" الأهم من ذلك، أن القانون المقترح يهدف إلى تغيير القانون الحالي بحيث "يمكن فرض عقوبة الإعدام حتى برأي الأغلبية، ولن يكون من الممكن تخفيف عقوبة شخص حصل على حكم نهائي". هذا البند الأخير يشكل سابقة خطيرة، حيث يلغي شرط الإجماع بين القضاة لفرض عقوبة الإعدام، وهو ما وصفته الحقوقية عبير بكر بأنه "لا مثيل له عالميًا. من الواضح أن هذا القانون موجه بشكل خاص ضد الفلسطينيين، حيث يربط الجريمة بـ "المساس بدولة إسرائيل كدولة جامعة لليهود وتمثل نهضة الشعب اليهودي"، مما يستثني المستوطنين واليهود الذين يرتكبون جرائم ضد الفلسطينيين.

 

الموقف الحقوقي والقانوني الدولي

 

تعتبر مؤسسات الأسرى أن مصادقة لجنة الأمن القومي على هذا القانون تمثل "توحشا غير مسبوق" و"خطوة إضافية لترسيخ الجريمة، ومحاولة لإضفاء الشرعية عليها" . يؤكد البيان المشترك للهيئتين أن "دولة الاحتلال تتصرف باعتبارها فوق القانون وخارج نطاق المساءلة، وهو ما عرّته بوضوح حرب الإبادة التي كشفت عن عجز المجتمع الدولي، وتواطئه الممنهج مع منظومة الاستعمار والقتل".

من الناحية القانونية الدولية، فإن عقوبة الإعدام محظورة بموجب العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية، وتعتبر جريمة حرب دولية باعتبارها مخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الأول الإضافي لها. على الرغم من أن القانون الإسرائيلي يتيح نظريًا إنزال عقوبة الإعدام في قضايا معينة، إلا أنها لم تُستخدم إلا في حالة واحدة معروفة (أدولف أيخمان)، وقد أبطلت المحكمة العليا أحكام إعدام أخرى في السابق. إن إصرار إسرائيل على تقنين هذه الجريمة يؤكد تجاهلها الصارخ للقانون الدولي والمبادئ الإنسانية الأساسية.

ثانيا: تشريعات إيتمار بن غفير وتأثيرها على الأسرى

بن غفير وسياساته المتطرفة

يُعرف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي، بتاريخه الطويل من النشاط المناهض للعرب ودعمه للعنصرية، مما أدى إلى اتهامات وإدانات متعددة. منذ توليه منصبه، دفع بن غفير بسياسات وتشريعات متطرفة تهدف إلى تشديد الخناق على الفلسطينيين بشكل عام، وعلى الأسرى بشكل خاص. يعتبر بن غفير رمزًا للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، الذي يسعى إلى فرض رؤيته الأيديولوجية عبر أدوات تشريعية وقانونية.

بالإضافة إلى مشروع قانون إعدام الأسرى، كان لبن غفير دور محوري في دفع العديد من التشريعات التي تؤثر سلبًا على الأسرى الفلسطينيين:

• مشروع قانون إلغاء اتفاقيات أوسلو وبروتوكول الخليل ومذكرة واي ريفر: تقدم بن غفير بمشروع قانون للكنيست لإلغاء هذه الاتفاقيات، بهدف "إصلاح ظلم دام سنوات عديدة" و"إعادة إسرائيل الوضع الذي كان عليه"، بما في ذلك استعادة الأراضي التي تم تسليمها. هذا القانون، إن تم إقراره، سيعيد تعريف العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بشكل جذري، ويزيد من الضغوط على الفلسطينيين.

• تعديلات على صلاحيات وزير الأمن القومي: صادق الكنيست على صلاحيات إضافية لبن غفير تتعلق بالبناء غير المرخص، مما يمنحه نفوذًا أكبر في قضايا حساسة تؤثر على الوجود الفلسطيني.

• سياسة "الاكتظاظ" في السجون: تهدف هذه السياسة إلى زيادة الضغط على الأسرى الفلسطينيين من خلال تكديسهم في ظروف غير إنسانية، مما يؤدي إلى تفاقم معاناتهم الصحية والنفسية.

• حرمان الأسرى من الطعام: كشفت المحكمة العليا الإسرائيلية في حكم نادر أن الحكومة الإسرائيلية تحرم آلاف الأسرى الفلسطينيين عمدًا من الحد الأدنى من الطعام اللازم للبقاء على قيد الحياة وقد أقر بن غفير نفسه بأنه "سنستمر في توفير الحد الأدنى من الشروط المطلوبة قانوناً للإرهابيين المسجونين في السجون".

 الأهداف المعلنة والخفية لسياسات بن غفير

تتمثل الأهداف المعلنة لسياسات بن غفير في "إعادة الأمن للإسرائيليين"، ولكن الأهداف الخفية تتجاوز ذلك بكثير. تسعى هذه السياسات إلى استهداف الفلسطينيين وتجريدهم من حقوقهم، وقوننة الممارسات العنصرية، وتكريس نظام الفصل العنصري. يرى العديد من المحللين أن هذه التشريعات تأتي ضمن "حالة الهستيريا التي أصابت المؤسسة الإسرائيلية"، وتستغل الظروف الحالية لتمرير قوانين عنصرية.

ثالثا: حالة الطوارئ وتأثيرها على الأسرى الفلسطينيين

أعلنت إسرائيل حالة الطوارئ في 7 أكتوبر 2023، في أعقاب هجوم حماس واندلاع حرب واسعة النطاق على قطاع غزة. وقد صادق الكنيست الإسرائيلي على تمديد هذه الحالة لعام إضافي، حتى 16 ديسمبر 2025. يستند إعلان حالة الطوارئ في إسرائيل إلى قانون الطوارئ لعام 1948 وقانون أساس: الحكومة، اللذين يمنحان الكنيست والحكومة صلاحيات واسعة لمعالجة الظروف الاستثنائية

الصلاحيات الاستثنائية للحكومة

يمنح تمديد حالة الطوارئ الحكومة الإسرائيلية صلاحيات استثنائية تشمل الحق في وضع أنظمة طوارئ تتجاوز التشريعات القائمة التي يقرها الكنيست. تتيح هذه الأنظمة للحكومة اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجة القضايا الأمنية والاقتصادية التي قد يصعب التعامل معها في الظروف الطبيعية. ورغم وجود آليات رقابية لضمان عدم إساءة استخدام هذه الصلاحيات، إلا أن الواقع يشير إلى استغلالها لتشديد الإجراءات القمعية.

تأثير حالة الطوارئ على الأسرى

كان لحالة الطوارئ تأثير مدمر على الأسرى الفلسطينيين، حيث تفاقمت ظروف الاعتقال بشكل كبير. شهدت الفترة التي تلت إعلان حالة الطوارئ زيادة غير مسبوقة في أعداد المعتقلين الإداريين، الذين يُحتجزون دون تهمة أو محاكمة. كما أدت حالة الطوارئ إلى تفاقم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأسرى، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الرعاية الطبية الكافية. يتم الربط بين حالة الطوارئ والتشريعات القمعية، حيث توفر الأولى الغطاء القانوني لتطبيق الثانية، مما يشرعن ممارسات الاحتلال ويجعلها تبدو "قانونية".

 

رابعا: الأسرى الفلسطينيون: واقع مرير وتصعيد غير مسبوق

يواجه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية واقعا مريرا يتسم بالانتهاكات الممنهجة لحقوقهم. يبلغ إجمالي عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل نحو 11 ألفًا و100 حتى بداية سبتمبر 2025. يتوزع هؤلاء الأسرى ليشملوا ٥١ أسيرة (منهن اثنتان من غزة)، ونحو 400 طفل، و3577 معتقلاً إداريًا (بملف سري ودون محاكمة)، و2662 معتقلاً من غزة تحت تصنيف "مقاتلين غير شرعيين".

تتسم الظروف في السجون الإسرائيلية بالقسوة الشديدة، حيث يتعرض الأسرى للتعذيب وسوء المعاملة، والحرمان من الطعام الكافي، ونقص الرعاية الطبية، والاكتظاظ. وقد وصفت العديد من الشهادات الأوضاع بأنها "وحشية" و"غير إنسانية"، مما يؤدي إلى تدهور صحة الأسرى ووفاة بعضهم داخل السجون.

 

 الإعدام البطيء والقتل الممنهج

مارست منظومة الاحتلال الإسرائيلي على مدار عقود طويلة سياسات "الإعدام البطيء" بحق مئات الأسرى داخل السجون، عبر أدوات وأساليب ممنهجة أفضت إلى استشهاد العشرات منهم. وقد شهدت هذه السياسات تصعيدًا غير مسبوق منذ بدء حرب الإبادة على غزة، مما جعل المرحلة الراهنة الأكثر دموية في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة. إن مشروع قانون إعدام الأسرى يأتي ليتوج هذه الممارسات، محولًا الإعدام غير المقونن إلى إعدام مقونن، مما يضفي شرعية زائفة على قتل الفلسطينيين.

الانتهاكات القانونية والحقوقية

تعتبر هذه الممارسات انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية التي تضمن حقوق الأسرى والمعتقلين. ومع ذلك، تستمر إسرائيل في التصرف "فوق القانون"، مستغلة عجز المجتمع الدولي وتواطؤه الممنهج. إن غياب المساءلة الدولية يشجع إسرائيل على الاستمرار في انتهاكاتها، مما يجعل من الضروري تفعيل آليات المحاسبة الدولية والضغط على إسرائيل لوقف هذه الجرائم.

يظهر هذا التقرير أن مصادقة لجنة الأمن القومي الإسرائيلية على قانون إعدام الأسرى، إلى جانب التشريعات الأخرى التي دفع بها الوزير إيتمار بن غفير وتأثير حالة الطوارئ، يمثل تصعيدا خطيرا في سياسات الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين. هذه التشريعات تسعى إلى قوننة ممارسات عنصرية وغير إنسانية، وتجريد الأسرى من أبسط حقوقهم الإنسانية والقانونية.

 

وهنا تؤكد مؤسسة العهد الدولية إن الواقع المرير الذي يعيشه آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والذي يتسم بالإعدام البطيء والحرمان من الحقوق الأساسية، يتطلب تحركا دوليا عاجلا وفعالا.

وتدعو المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن تتحمل مسؤولياتها في مواجهة هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

أخبار مشابهة