
بسام شحرور: حكاية صمود في زنازين الص...
منذ لحظة اعتقاله، وبسام شحرور يعيش فصولًا من المعاناة الجسدية والنفسية التي تتجاوز حدود ال...
في الظلام الذي يلف زنازين الاحتلال، حيث يُختطف النور ويُسجن الأمل، يصبح جسد الأسير هو السجل الوحيد الذي يُدوَّن عليه، بلا حبر، تاريخ من الألم. إنه الأرشيف الحي للصمود، والشاهد الصامت على آلة تعذيب لا تتوقف، تطحن العظام وتخنق الأنفاس وتسرق السنوات، محولة إياها إلى غبار يستقر على نافذة الزيارة التي قد لا تأتي.
ها هو محمود حسن الورديان (48 عاماً) يعود إلى مدينته بيت لحم، لكن ليس كما اعتاد أهاليها استقبال المحررين بفرح وأهازيج، بل على سرير المرض، محمولاً بين أجهزة التنفس وأنابيب المصل. جسده الذي أنهكته سنوات الاعتقال واعتداءات السجان خرج هذه المرة محاطاً بظل الموت، بعدما حوّلت زنازين الاحتلال حياته إلى ممر إجباري بين الحياة والغياب.
بين الزنزانة وسرير المستشفى
في 18 آب/ أغسطس 2025، اعتقلت قوات الاحتلال محمود الورديان ضمن حملة واسعة استهدفت عدداً من الأسرى المحررين في محافظة بيت لحم، شملت أيضاً والده وعدداً من المواطنين. منذ اللحظة الأولى، تعرض لتحقيق قاس رافقته اعتداءات جسدية مباشرة، انتهت بتدهور خطير في وضعه الصحي.
لم يُسمح له بلقاء محاميه طوال فترة التحقيق، وتم تمديد اعتقاله مرات عدة بذريعة "استكمال التحقيق". وفي 25 آب/ أغسطس، نُقل فجأة من مركز التحقيق في سجن "عوفر" إلى مستشفى "هداسا" بالقدس وهو فاقد للوعي، وأدخل فوراً إلى العناية المركزة.
الأطباء في المستشفى وصفوا حالته بالحرجة للغاية: تلف دماغي نتيجة نقص حاد في الأكسجين، كسور في الأضلاع، التهابات رئوية، تجرثم في الدم، إضافة إلى كدمات وجروح متفرقة في أنحاء جسده. وهو ما يؤكد أنه لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية قبل اعتقاله، لتتحول أسابيع التحقيق إلى ساحة "تصفية جسدية" بطيئة.
ذاكرة الاعتقال الطويلة
الورديان لم يكن غريباً على السجون الإسرائيلية؛ فقد أمضى سابقاً أكثر من 100 شهر في الاعتقال الإداري، دون تهمة أو محاكمة. وخاض عام 2014 إضراباً مفتوحاً عن الطعام استمر 53 يوماً احتجاجاً على هذه السياسة.
كان جسده ساحة مواجهة دائمة مع الاحتلال، واليوم يعود شاهداً جديداً على انتهاكات متكررة تتخذ شكلاً مختلفاً كل مرة، لكنها تنتهي بالنتيجة ذاتها: محاولة كسر الإرادة عبر الجسد.
حرية مشروطة بأنفاس أخيرة
في 11 أيلول/ سبتمبر 2025، وبعد إدراك سلطات الاحتلال أن حياة الورديان على المحك، صدر قرار مفاجئ بالإفراج عنه. لكنه لم يخرج محرراً كما يحلم الأسرى، بل خرج جسداً مثقلاً بالجراح، موصولاً بأجهزة التنفس الصناعي، بين الموت والحياة.
استقبله الهلال الأحمر الفلسطيني على معبر بيت لحم ونقله مباشرة إلى مستشفى الجمعية العربية في بيت جالا، يصارع أوقات ثقيلة تلف حياته كلها.
بيان الأسرى: "جريمة تصفية مكتملة الأركان"
هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني وصفا ما جرى بأنه عملية تصفية داخل زنازين التحقيق. وجاء في بيانهما المشترك بتاريخ 14 أيلول/ سبتمبر 2025:
"تؤكد الوقائع أن الاحتلال ارتكب جريمة مركبة بحق الأسير محمود الورديان، بدأت منذ لحظة اعتقاله، مروراً بحرمانه من لقاء محاميه وتمديد اعتقاله مرات عدة، وصولاً إلى تعذيبه وتصفيته قبل الإفراج عنه بوضع صحي حرج."
وأضاف البيان: إنّ الورديان كان هدفاً دائماً للاعتقالات المتكررة، معظمها جرى في إطار الاعتقال الإداري.
ما تعرض له يمثل حلقة جديدة في سلسلة الجرائم التي ينفذها الاحتلال منذ عقود وبلغت ذروتها مع حرب الإبادة الجارية. جرائم التعذيب الممنهجة داخل السجون وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، ولم ينجُ منها أي أسير أو معتقل. إن استمرار الصمت الدولي يمثل خذلاناً للإنسانية وتواطؤاً مكشوفاً مع سياسات التطهير العرقي.
الجسد كحقل للعقاب
قضية محمود الورديان تمثل نموذجاً صارخاً لاستخدام الاحتلال الإهمال الطبي والتعذيب الممنهج كأدوات للعقاب الجماعي ووسائل لـ "الإعدام البطيء".
اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة تُلزم قوة الاحتلال بتوفير الرعاية الطبية الكاملة للأسرى. لكن الوقائع تكشف عن انتهاك ممنهج لهذه الالتزامات، يصل إلى مستوى جرائم الحرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إذ يتم تعريض حياة الأسرى للخطر وتحويل أجسادهم إلى ميادين للتجريب والإذلال.
شهادات تفضح الممارسات الإسرائيلية.
مؤسسة العهد الدولية لحقوق الإنسان اعتبرت أن ما جرى مع الورديان "جريمة مكتملة الأركان"، مشيرة إلى أن الاحتلال يتعمد عبر سياسة الإهمال الطبي والتعذيب الممنهج إضعاف الأسرى جسدياً ونفسياً ودفعهم نحو الموت البطيء.
وشددت على أن حالة الورديان الحالية، مع تلف دماغي حاد وبقائه في العناية المركزة، هي دليل دامغ على خطورة استمرار هذه السياسة، وحذرت من أن صمت المجتمع الدولي يشجع الاحتلال على التمادي.
جسد معلق بين الحياة والموت
اليوم، يرقد محمود الورديان في مستشفى بيت جالا، جسده مثقل بجراحه وروحه معلقة بين الأرض والسماء. لكنه، رغم الغيبوبة، خرج من السجن شاهداً دامغاً على ما يفعله الاحتلال بأجساد الأسرى وأعمارهم.
قصته ليست حالة فردية، بل مرآة لسياسة ممتدة تستهدف مئات الأسرى الفلسطينيين. وما لم يتحرك العالم، فإن المزيد منهم سيجدون أنفسهم على سرير المرض، بين الموت والحياة، ليُقال في النهاية إنهم "محررون"، بينما الحقيقة أنهم مجرد ضحايا لآلة إعدام بطيئة.
بسام شحرور: حكاية صمود في زنازين الصمت
4 أكتوبر 2025بسام السعدي.. أسير يقاوم خلف القضبان وعائلة تواصل...
2 أكتوبر 2025من الإعدام البطيء إلى المقصلة العلنية: إسرائيل تشر...
2 أكتوبر 2025الأسيرة المحررة رماء بلوي: وجع الأمومة خلف القضبان
1 أكتوبر 2025مقعدٌ فارغ ودرسٌ مؤجل لطلابٍ خلف الزنازين
1 أكتوبر 2025الأسيرة كرم موسى، تحارب الدامون ببراءة الأحفاد
29 سبتمبر 2025منذ لحظة اعتقاله، وبسام شحرور يعيش فصولًا من المعاناة الجسدية والنفسية التي تتجاوز حدود ال...
بعدما تنسمت رماء عبير الحرية، لم تكن تلك اللحظة نهاية قصتها، فما عاينته داخل جدران السجن ك...
اعتُقلت كرم موسى منتصف الليل في 25 فبراير، في أكثر الأوقات برودة، حين اقتحم منزلها قرابة س...