
بسام السعدي.. أسير يقاوم خلف القضبان...
تعرض الشيخ بسام للاعتقال لأكثر من 18 عاماً مجتمعة في سجون الاحتلال، كانت غالبها اعتقالات إ...
مع استمرار حرب الإبادة في غزة، تتواصل مآسي النزوح الجماعي من شمال القطاع إلى جنوبه، حيث تكدست عشرات آلاف العائلات في شارع الرشيد الساحلي هربا من القصف العنيف الذي لم يترك بيتا إلا ودمره. القنابل الضخمة والمتفجرات الهائلة التي ألقيت على الأحياء السكنية لم تكتف بقتل المئات يوميا، لقد دفعت عائلات بأكملها إلى الفرار في لحظات تاركة خلفها أطفالا يتوهون في طرقات النزوح، وأجسادا تذوب تحت الركام، وأسماء تتحول إلى قائمة طويلة من المفقودين.
في هذا المشهد الكارثي، أصبح الفقد ظاهرة متواصلة تتسع يوما بعد آخر كلما طال أمد الحرب واشتد قصفها حتى باتت معاناة المفقودين وعائلاتهم أحد أبرز وجوه الإبادة الجارية في غزة.
أرقام متضاربة.. مأساة أكبر من الإحصاءات
تتباين التقديرات حول أعداد المفقودين في غزة بشكل واسع، وهو ما يعكس عمق المأساة الإنسانية وانهيار منظومات البحث والإنقاذ تحت ضغط الحرب. فبينما يتحدث الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن أكثر من أحد عشر ألف مفقود بينهم نساء وأطفال وشيوخ، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى ما بين ثمانية آلاف وأحد عشر ألفًا، معظمهم من الفئات الأضعف. في المقابل يذهب المرصد الأوروبي لحقوق الإنسان إلى أرقام أعلى تتجاوز ثلاثة عشر ألفا، فيما تحذر منظمة "أنقذوا الأطفال" من أن عشرات آلاف الأطفال لا يزالون في عداد المفقودين.
هذا التضارب في الأرقام هو شاهد على حجم الفوضى الإنسانية الناتجة عن حرب الإبادة. فالمفقودون ليسوا فقط تحت الأنقاض التي تعجز فرق الدفاع المدني عن الوصول إليها، وإنما في مسيرات النزوح التي تنتهي باختفاء أفراد العائلات في ظروف غامضة، أو في طوابير المساعدات التي تحولت أحيانا إلى مصائد دامية. وفي ظل اعتماد الاحتلال الإسرائيلي على قوانين استثنائية مثل "قانون المقاتل غير الشرعي"، يخشى أن يكون جزء من هؤلاء المفقودين قد اقتيد إلى مراكز اعتقال سرية بعيدا عن أي إشراف قانوني أو إنساني.
من منظور حقوقي، تمثل هذه الحالات المتنوعة انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني التي تفرض على قوة الاحتلال حماية المدنيين وضمان حقوقهم في الحياة والأمان والكرامة.
إن استمرار غياب الشفافية حول مصير آلاف المفقودين وحرمان عائلاتهم من أي معلومة بشأن أماكن وجودهم أو مصيرهم،يرتقي إلى مستوى الإخفاء القسري الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني
ملف المفقودين في غزة هو تعبير مباشر عن سلسلة من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني. فالمادة (27) من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على وجوب حماية المدنيين من أي اعتداء على حياتهم أو كرامتهم في جميع الأحوال، بينما تحظر المادة (49) النقل القسري أو الإبعاد الجماعي للسكان. كما أن المادة (32) تحظر ممارسة التعذيب أو المعاملة القاسية ضد الأشخاص المحميين.
إلى جانب ذلك، تفرض اتفاقية حقوق الطفل التزاما خاصا بحماية الأطفال من الفقدان والتشريد، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع التقارير التي تشير إلى أن آلاف الأطفال في غزة باتوا في عداد المفقودين.
أما نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فيعتبر الإخفاء القسري جريمة ضد الإنسانية، كما يجرم استخدام المدنيين كدروع بشرية وهي ممارسات وثقتها منظمات دولية في سياق العدوان على غزة.
إن امتناع إسرائيل عن الكشف عن قوائم الموقوفين والمفقودين، ومنع دخول فرق التحقيق الدولية إلى أماكن الدفن الجماعي أو مراكز الاعتقال السرية يمثل جريمة مضاعفة تهدف إلى طمس الأدلة. هذا السلوك لا يترك مجالا للشك في أن قضية المفقودين هي عنوان لانتهاك شامل ومنهجي لكل ما كفله القانون الدولي للمدنيين في أوقات النزاعات المسلحة.
شهادات العائلات.. الغياب أكبر من أن يحتمل
وثقت مؤسسة العهد الدولي عبر مقابلات ميدانية وشهادات عائلية عددا من حالات الفقدان في قطاع غزة، ضمن عملها الحقوقي والإنساني لمتابعة أوضاع المفقودين. ومن خلال تواصلها المباشر مع ذوي الضحايا، رصدت المؤسسة قصصا موجعة لأشخاص انقطعت أخبارهم منذ شهور طويلة، وباتت عائلاتهم تعيش على أمل ضعيف بعودتهم أو على خوف دائم من أن يكونوا قد دفنوا في مقابر بلا أسماء.
كانت بداية المأساة مع علاء مصلح، الشاب الغزي البالغ من العمر 33 عاما، الذي قرر منتصف نوفمبر 2023 أن ينقذ أسرته بالتوجه جنوبًا. لكن الممر الذي عبره عند حاجز نتساريم كان أبعد ما يكون عن "الآمن". هناك أُجبر على الانفصال عن ابنته الصغيرة جودي التي تمسكت بيده وهي تصرخ: "بابا.. بابا"، قبل أن يُقتاد مع والده إلى المجهول. منذ ذلك اليوم لم تعرف عائلته أي خبر عنهما، رغم طرقها أبواب الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية، فيما تعيش والدته صبحية على ذكرى تلك اللحظة التي كانت آخر نظرة بينه وبين طفلته.
في الجنوب، حيث تكدس النازحون في خانيونس، فقد الشاب عمر زهير يوسف معروف (22 عاما)، الذي كان يأوي في مبنى جامعة الأقصى. مع اقتحام الاحتلال للمنطقة مطلع 2024، انقطعت أخباره تماما، تاركا عائلته بين احتمال أن يكون تحت الركام أو في أحد السجون.
أما في الشمال، فقد غاب الفتى سعيد مبارك السواركة، ابن التاسعة عشرة، الذي اعتاد العمل في قطف الزيتون في منطقة السودانية. منذ السابع من أكتوبر 2023، حين باغتت الصواريخ كل شيء، لم يره أحد. تقول والدته سحر إنها قصدت المستشفيات والمؤسسات الحقوقية بلا جدوى، فيما بقي طفلها عالقا بلقب "مجهول".
من بين الأصوات التي يعلو وجعها في غزة، يناشد المواطن عز الدين حسن المؤسسات الحقوقية والإنسانية الكشف عن مصير شقيقه، الذي فُقدت آثاره عقب القصف الهمجي الذي استهدف مخيم الشاطئ قبل أيام. كان النزوح خيار العائلة الوحيد للنجاة، لكن النيران الكثيفة، والقصف العنيف، والروبوتات المتفجرة، فرقت أفراد الأسرة ومزّقت مسارهم. منذ ذلك الحين، انقطعت أخبار شقيقه كليا، ولم تفلح محاولات البحث المتواصلة، ولا حتى نشر صوره وتفاصيله عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إلى أي خيط يقود إلى مصيره حتى اللحظة.
وتتشابه الحكاية مع أيمن عبد الحليم (مواليد ٢٠٠٤) الذي فقد أثره أثناء نزوحه لشارع الرشيد برفقة أبناء عمومه. تروي شقيقته أنهم غادروا إلى الزوايدة ثم انقطعت أخبارهم بشكل كامل، لتدخل العائلة في دوامة السؤال الذي يثقل القلب: هل هم أحياء في مكان ما، أم صاروا شهداء بلا قبور معروفة؟
في مخيم الشاطئ، تفقد والدة سيف الدين زكريا صبح طفلها البالغ من العمر 15 عاما، والمصاب بالتوحد. منذ 10 ديسمبر 2024، لم يعد له أثر. تصرخ أمه في وجه الغياب كل يوم: أريد أن أعرف مصير ابني.
أما عائشة أبو عمرة، فتحمل جرحا مضاعفا بفقدان ابنها عبد الله (26 عاما) بعد نزوحهم إلى دير البلح قسرا كان عبد الله سندها وأمل العائلة، لكنه خرج ذات يوم ولم يعد. بحثت عنه في قوائم الجرحى والشهداء والمعتقلين دون جدوى. لم يفقد عبد الله أمه فقط، بل ترك زوجته الحامل التي أنجبت طفلته بعد اختفائه، لتكبر الصغيرة بلا أب يعرفها، وتعيش أمها في صمت مكسور.
ويضاف إلى هذه القلوب الموجوعة محمود أبو هاني، الذي فقد في فبراير 2023 عند محاولته العودة شمالًا من النصيرات. ومنذ ذلك الحين، تعيش عائلته في بحث دائم وسط ركام الحرب، في مشهد يتكرر مع مئات الأسر التي تبحث عن أبنائها بلا كلل ولا خيط من الأمل.
هذه القصص نماذج حية عن آلاف الحالات المماثلة. يجمعها الألم والانتظار والأسئلة المفتوحة: هل نعيش على أمل عودتهم؟ أم نسلم بأنهم دفنوا في مقابر بلا أسماء؟ هل هم أحياء خلف جدران السجون، أم صارت أجسادهم غبارا تحت الركام؟
أكدت مؤسسة العهد الدولية أن ما رصدته من شهادات عائلات المفقودين في قطاع غزة، يعبر عن مأساة إنسانية جماعية تتجاوز حدود الأرقام، وتكشف حجم الجريمة المستمرة بحق المدنيين. فاختفاء الآلاف تحت القصف أو في ظروف الإخفاء القسري يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، وحرمانا للعائلات من أبسط حقوقها في معرفة مصير أبنائها.
وشددت المؤسسة على أن صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الجريمة يرسخ سياسة الإفلات من العقاب، ويضاعف من معاناة الضحايا وذويهم، داعية إلى فتح تحقيق دولي مستقل وشفاف يكشف مصير المفقودين، ويحاسب المسؤولين عن هذه الانتهاكات التي ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
بسام شحرور: حكاية صمود في زنازين الصمت
4 أكتوبر 2025بسام السعدي.. أسير يقاوم خلف القضبان وعائلة تواصل...
2 أكتوبر 2025من الإعدام البطيء إلى المقصلة العلنية: إسرائيل تشر...
2 أكتوبر 2025الأسيرة المحررة رماء بلوي: وجع الأمومة خلف القضبان
1 أكتوبر 2025مقعدٌ فارغ ودرسٌ مؤجل لطلابٍ خلف الزنازين
1 أكتوبر 2025الأسيرة كرم موسى، تحارب الدامون ببراءة الأحفاد
29 سبتمبر 2025تعرض الشيخ بسام للاعتقال لأكثر من 18 عاماً مجتمعة في سجون الاحتلال، كانت غالبها اعتقالات إ...
لم يكن مشروع قانون إعدام الأسرى وليد اللحظة، بل طرح مرارا خلال السنوات الماضية، مما يعكس ت...
اعتقال طلاب المدارس لم يعد حالة فردية، بل تحوّل إلى سياسة ممنهجة يمارسها الاحتلال بشكل يوم...